"علينا أن نقاوم".. صحفية تقود معركة ضد سياسة ترامب وتفكيك "صوت أمريكا"
"علينا أن نقاوم".. صحفية تقود معركة ضد سياسة ترامب وتفكيك "صوت أمريكا"
قالت الصحفية باتسي ويداكوسوارا، رئيسة مكتب البيت الأبيض في شبكة "صوت أمريكا"، إن وسائل الإعلام عليها أن تقف في وجه أي محاولات لإسكاتها، في وقتٍ تتصاعد فيه الهجمات على حرية الصحافة في الولايات المتحدة، وأضافت: "لم أتخيل يومًا أنني سأضطر للنضال من أجل حرية الصحافة في أمريكا، ومع ذلك، ها نحن ذا".
وذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، اليوم الاثنين، أن ويداكوسوارا واجهت خلال مسيرتها تحديات عديدة، إذ طُردت من مؤتمرات صحفية في عدة قارات بسبب طرحها أسئلة محرجة وصريحة.
ومع ذلك، لم تتراجع يومًا عن التزامها بالمساءلة، بل اعتبرت أن هذا النوع من الصحافة هو جوهر عملها طوال العقود الثلاثة الماضية، واليوم، تقود بنفسها حملة قضائية لإنقاذ "صوت أمريكا"، الشبكة التي طالما مثلت أحد أبرز وجوه القوة الناعمة الأمريكية.
أمر رئاسي يوقف البث
في مارس، أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا أوقف بموجبه تمويل شبكة "صوت أمريكا" عبر وكالتها الأم "الوكالة الأمريكية للإعلام العالمي" (USAGM)، معتبرًا أنها "راديكالية" و"مناهضة لترامب"، وأسفر القرار عن تعليق عمليات الشبكة، ووضع أكثر من 1300 موظف في إجازة إدارية، وإنهاء خدمات 600 متعاقد.
وفقاً للصحيفة فإن ويداكوسوارا لم تقف مكتوفة الأيدي؛ فبعد تلقيها بريدًا إلكترونيًا يُعلمها بتوقف الشبكة، حشدت دعمًا قانونيًا واسعًا، ورفعت دعوى ضد القرار بمشاركة عدد من زملائها.
وأكدت: "إنهم لا يستطيعون ببساطة إغلاق صوت أمريكا، يجب أن يمروا عبر الكونغرس. هذا هو القانون".
محتوى إعلامي مستقل
منذ تأسيسها عام 1942 لمواجهة الدعاية النازية، لعبت "صوت أمريكا" دورًا محوريًا في تقديم محتوى إعلامي مستقل بـ47 لغة لأكثر من 350 مليون شخص حول العالم، وتقول ويداكوسوارا إن جمهور الشبكة ليس فقط نساء أفغانستان أو مزارعي إفريقيا، بل يشمل نشطاء روس، وصناع قرار في دول عديدة، ممن يحتاجون إلى مصدر موثوق وسط سيل من الدعاية والمعلومات المضللة من قوى كبرى مثل روسيا والصين، أو تنظيمات متطرفة مثل "داعش" والقاعدة.
وبدأت الصحفية الإندونيسية حياتها المهنية في أواخر تسعينيات القرن الماضي، عندما اجتاحت احتجاجات طلابية مبنى البرلمان وأطاحت بالرئيس سوهارتو، وكانت آنذاك تعمل في إذاعة طلابية، ثم لاحقًا كمساعدة للصحفيين الأجانب الذين توافدوا لتغطية الحدث، وشكلت تلك التجربة، التي وصفتها بأنها "أول مواجهة مع الحكومات الاستبدادية"، رؤيتها الصحفية.
درست لاحقًا الصحافة في جامعة لندن بمنحة من وزارة الخارجية البريطانية، وعملت في "بي بي سي" و"القناة الرابعة"، قبل أن تُعيَّن رئيسة لمكتب "صوت أمريكا" في البيت الأبيض عام 2021.
صراع من أجل زملائها
شددت ويداكوسوارا على أن تحركها لا يخصها وحدها، بل يشمل أيضًا 47 صحفيًا في "صوت أمريكا" يحملون تأشيرات J-1 أو تأشيرات صحفية، ويواجهون خطر الترحيل إلى دول مثل روسيا وميانمار وفيتنام وبيلاروسيا، حيث يتعرض الصحفيون هناك لخطر السجن أو الاختفاء.
وقد حظيت الدعوى بدعم من منظمة "مراسلون بلا حدود" وأربع نقابات صحفية أمريكية، فيما أكدت أن الأمر التنفيذي يمثل انتهاكًا للتعديل الأول من الدستور الأمريكي، وللقوانين التي تمنع السلطة التنفيذية من تجاوز صلاحياتها.
انتصار مؤقت واستمرار المعركة
أثمرت جهود ويداكوسوارا عن انتصار مبكر، إذ أمر قاضٍ فيدرالي في أبريل بإعادة تمويل "صوت أمريكا" بشكل مؤقت، لكن هذا الحكم الأولي لم يكن نهائيًا، ومع استمرار الإجراءات القضائية، تستعد الشبكة وموظفوها لـ"عودة تدريجية" إلى العمل وسط حالة من الترقب والقلق.
تُعد "صوت أمريكا" من أبرز أدوات الدبلوماسية العامة الأمريكية منذ تأسيسها خلال الحرب العالمية الثانية، وعلى مدى عقود، لعبت الشبكة دورًا محوريًا في نقل قيم الحرية والديمقراطية إلى الشعوب التي تعاني من القمع وغياب الإعلام الحر، وبرزت بشكل خاص خلال الحرب الباردة كصوت بديل للملايين في الدول الشيوعية.
يتم تمويل الشبكة من قبل الكونغرس الأمريكي، وتخضع لإشراف قانوني يضمن استقلاليتها التحريرية عن البيت الأبيض، ومع ذلك، واجهت ضغوطًا متزايدة خلال إدارة ترامب، والتي سعت إلى السيطرة على محتواها، وهو ما فتح الباب لمعارك قانونية ودستورية حول مستقبل الإعلام العام في الولايات المتحدة.